في سياق حياة المسلمين يلعب التقويم الهجري دورًا مهماً في تحديد أوقات العبادات كصيام رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى. إلاّ أنّ اختلاف تحديد بداية الشهر الهجري بين مختلف أنحاء العالم غالبًا ما يُشكّل تحديًا في أداء العبادات في آنٍ واحد.
يُعد ظهور فكرة التقويم الهجري العالمي الأحادي أمرًا مثيرًا للاهتمام وتدعمه الجمعية المحمدية في إندونيسيا دعمًا كاملًا. لأنّ التقويم الهجري العالمي الأحادي نظام التقويم يُوحّد التواريخ في جميع أنحاء العالم على أساس مبدأ “يوم واحد وتاريخ واحد”.
فهل يتوافق هذا المفهوم مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى تحقيق مصالح البشرية في الدنيا والآخرة ؟
مقاصد الشريعة هي جوهر جميع أحكام الشريعة التي تهدف إلى تحقيق مصالح للبشرية في الدنيا والآخرة. قال الله عن هذا القصد العام من خلال قوله تعالى في سورة الأنبياء في الآية 107:
حيث قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكُ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
هذه الآية هي أساس مقاصد الشريعة العامة أي تحقيق النعمة والرخاء الشاملين.
تنقسم مقاصد الشريعة إلى ثلاثة أقسام: عامة وجزئية وخاصّة. تشمل المقاصد العامة فالمقاصد الكلية للشريعة كحفظ مصالح الناس. أما المقاصد الجزئية
فتركز على أحكام الشريعة في مجالات محددة كحفظ المال وحفظ النسل وحفظ الدين. أما المقاصد الخاصة فتشير إلى مقاصد شرعية محددة كفرض صيام رمضان لتربية النفس على التقوى. لصياغة هذه المقاصد استخدم العلماء الأساليب اللغوية والاستقراء والتمييز بين الوسائل والغايات والاستدلال العقلي واتباع نهج الصحابة.
التقويم الهجري العالمي الأحادي ومصلحة الناس
يحمل التقويم الهجري العالمي الأحادي مبدأ توحيد التوقيت في جميع أنحاء العالم حيث يُحدّد بداية الشهر الجديد في نفس اليوم بغض النظر عن اختلاف المطالع (أي : نقاط رؤية الهلال). يوفّر هذا المفهوم إمكانية تيسير إدارة أوقات العبادة والأنشطة للمسلمين حول العالم.
ولكن هل يتوافق هذا المفهوم مع مقاصد الشريعة؟
بالاستقراء يُعد وجود تقويم دقيق جزءًا من مقاصد الشريعة. أمر الله المسلمين بالاستعداد للمستقبل في
القرآن الكريم في سورة الحشر في الآية 18:
قال تعالى :”يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغد”.
تؤكد هذه الآية على أهمية حسن إدارة الوقت وهو أمر لا يتحقق إلا بنظام تقويم دقيق. في العصر الحديث أصبح التخطيط للأنشطة الدينية والدنيوية أمراً مستحيلاً دون تقويم واضح وموثوق. عدا عن ذلك فإن القرآن في سورة يونس في الآية 5 يؤكد أنّ الله خلق الشمس والقمر لحساب الوقت:
قال تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِّين وَالْحِسَابَ
تشير هذه الآية إلى أن التقويم المبني على حركة الشمس والقمر هو جزء من الأمر الإلهي لتنظيم حياة الإنسان.
كما تؤكد الآيتان 36-37 من سورة التوبة أن عدد الأشهر الاثني عشر في السنة جزء من الدين القيم :
قال تعالى : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
تؤكد هذه الآية أن نظام التقويم الصحيح ركن من أركان الدين القويم موازٍ للتوحيد والصلاة والزكاة كما ورد في سورة يوسف (12:40) وسورة البينة (98:5).
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ. (رواه الترمذي).
ويؤكد هذه الحديث المذكور أهمية توحيد أوقات العبادات الإسلامية. ومن الأفضل أن يصوم المسلمون جميعًا رمضان وعيد الفطر والأضحى في وقت واحد.فالمجتمع الإسلامي في العالم، وهو وضع لا يمكن تحقيقه إلا بتقويم عالمي واحد.
بهذا الوصف يمكن استنتاج عدة ملاحظات مهمة على النحو التالي:
أولاً, يمكن اعتبار تحقيق نظام تقويم دقيق كجزء من جهد جيد لإدارة الوقت مقاصدًا شرعية كما هو مبين في القرآن الكريم وخاصة سورة الحشر الآية 18 وسورة يونس الآية 5 وسورة التوبة الآيتين 36-37.
حديث أبي هريرة الذي ينص على أن الصيام وعيد الفطر وعيد الأضحى يؤدون في يوم واحد من قبل جميع المسلمين (رواه الترمذي) يشير بقوة إلى أن التقويم الهجري العالمي الأحادي جزء من مقاصد الشريعة لأنه يدعم توحيد أوقات العبادة.
ثانيا, الركعة الجسدية في تحديد بداية الشهر بما في ذلك أشهر العبادة هي وسيلة وليست مقصدًا للحديث الذي يأمر بالركعة. والمقصود الأساسي من الحديث هذا الذي يعكس مقاصد الشريعة وهو التأكد من تحديد بداية الصيام بشكل دقيق وقاطع.
وبالتالي فإن التقويم الهجري العالمي الأحادي له أساس قوي في مقاصد الشريعة سواء من القرآن أو الحديث. يتمتع مفهوم التقويم هذا بالقدرة على أن يكون وسيلة حديثة لتحقيق الدين القيم في عالم متصل بشكل متزايد.
مراجع:
الشاطبي، الموافقات، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (الخبر: دار ابن عفان للنصير والتوزيع, ١٤١٧/ ١٩٩٧).
شمس الأنور، “التقويم الإسلامي الأحادي في ضوء علم أصول الفقه”، الجامعة: مجلة الدراسات الإسلامية، المجلد الأول. 54، لا. 1 (2016).
Discussion about this post