لأكثر من أربعة عشر قرنًا عاش المسلمون حضارةً امتدت من آسيا إلى أفريقيا ومن شبه الجزيرة العربية إلى نصف الكرة الغربي. ومع ذلك لا يكون للمسلمين نظام تقويم إسلامي واحد يوحّد أوقات العبادة والأعياد الرئيسية والشعائر الإسلامية في وقت واحد في جميع أنحاء العالم إلى اليوم.
ينقسم المسلمون كل عام حول التواريخ: يحتفل بعضهم بعيد الفطر اليوم ويحتفل آخرون غدًا. يصوم بعضهم يوم الاثنين المقبل ويصوم آخرون حتى الثلاثاء. وكأن الزمن لم يعد عالميًا بل يعتمد على أحوال الناس.
لا يعود غياب تقويم إسلامي عالمي إلى إهمال الناس بل إلى أن الجهود المبذولة لتوحيده تتطلب مزيجًا من المعرفة الفلكية وأحكام الشريعة والإجماع العالمي. تكمن المشكلة في أن المسلمين لا يفتقرون أبدًا إلى النية بل غالبًا ما يفتقرون إلى الأدوات التقنية والفهم في مختلف البلدان.
تستمر جهود توحيد التقويم الإسلامي منذ زمن طويل. وقد طرح فكرة التقويم الإسلامي العالمي في عام ١٣٥٨ هـ/١٩٣٩ م الشيخ أحمد محمد شاكر أحد كبار العلماء في مصر في كتابه “أوائل الشهور العربية” دعا إلى ضرورة وجود نظام تقويم إسلامي ثابت وقابل للقياس. ومع ذلك وبصفته خبيرًا في الحديث لم يقدم شاكر تصميمًا تقنيًا.
ولم تتخذ هذه الفكرة شكلًا أكثر واقعية إلا في نهاية القرن العشرين. ففي عام 1398 هـ/1978 م قدم العالم الماليزي محمد إلياس تقويمًا إسلاميًا دوليًا مقسمًا إلى ثلاث مناطق زمنية. كانت هذه الفكرة واعدة لكنها لم تُلبِّ الحاجة إلى تاريخ عالمي واحد. ولا يزال هذا النموذج المناطقي يسبب اختلافات في التواريخ بين المناطق.
ثم ظهر نضال قسوم من خلال كتابه “إثبات الشهور الهلالية ومشكلات التوقيت الإسلامي”. اقترح فيه نظام تقويم رباعي المناطق في عام 1413 هـ/1993 م. ثم نُقّح هذا الاقتراح إلى منطقتين (ثنائية النطاق) كما طوّر محمد عودة نهجًا مشابهًا.
ومع ذلك جاء إنجازٌ مهمٌّ من جمال الدين عبد الرازق من خلال كتابه “التقويم القمري الإسلامي الموحد”. ففي عام 1425 هـ/2004 م، قدّم نظام تقويم عالميّ واحد قائم على مبدأ “يوم واحد وتاريخ واحد” للعالم أجمع. ومعاييره أن يحدث الاقتران القمري قبل الساعة 12.00 بالتوقيت العالمي المنسق. وهذا أحد أشكال دمج علم الفلك الحديث مع متطلبات توحيد الشريعة.
وبلغت هذه السلسلة من الجهود ذروتها في عام 2008. ففي القمة الإسلامية الحادية عشرة في داكار بالسنغال أصدرت منظمة المؤتمر الإسلامي “إعلان داكار” الذي أكّد فيه على أهمية توحيد التقويم الإسلامي. وقد تبعت هذه الخطوة منظمة الإيسيسكو التي اعتمدت نموذج جمال الدين التقويمي الموحد في اجتماع لخبرائها في المغرب.
وحدثت خطوة أكثر جدية في عام 1438 هـ/2016 م في المؤتمر الدولي في إسطنبول. حيث تم الاتفاق رسميًا على التقويم الهجري العالمي الموحد كمعيار دولي للتقويم الإسلامي.
وهذه قفزة كبيرة في تاريخ التقويم الإسلامي. لم يعد هذا التقويم مناطقيًا. بل يعتمد على أساس علمي وشرعي مع نهج الرؤية الفلكية والإجماع العالمي الذي يسمح بتطبيق تاريخ هجري واحد للعالم أجمع.
والآن في عام 1447 هـ/2025 أعلنت الجمعية المحمدية أنها ستعتمد التقويم الهجري العالمي الأحادي كنظام تقويم لها. وهذا ليس مجرد موقف تنظيمي فحسب بل هو أيضًا خطوة استراتيجية وفكرية لبناء شعب قائم على المعرفة وموحد في الوقت.
هذا التقويم ليس مجرد أداة لحساب الأيام. إنه رمز لوحدة الأمة الإسلامية . إنّ هذا التقويم من نتائج اجتهاد جماعي وليست وهمًا رومانسيًا. لقد وُلدت من جهد دؤوب ونقاشات عابرة للطوائف ورضوخ للحقائق الفلكية القابلة للاختبار.
لقد حان الوقت للمسلمين لمشاركة التواريخ لا للتعارض على أساس الأيام. نحن لا نُجبر السماء على الخضوع للأرض بل نسعى لجعل الأرض تقرأ السماء بدقة وبشكل متناغم. التقويم الهجري العالمي الأحادي خطوة كبيرة لجعل الأمة الإسلامية أمة واحدة.
تقويم واحد – أمة واحدة – حضارة واحدة.
Discussion about this post