سأل الناس عن حكم الاحتفال بذكرى يوم تأسيس البلد أو ذكرى استقلال البلد بكثير من الأنشطة منها المراسم والمسابقات وغيرها. منهم من يرى أنّها حرام ومنهم من يري أنّها بدعة بل شرك.
فما موقف الجمعية المحمدية بهذا الأمر ؟
كما هو مكتوب في مجموعة المعتقدات وقيم الحياة للمحمدية أنّ هناك أربعة أمور أساسية في الإسلام وهي: الإيمان والأخلاق والعبادات والمعاملات الدنيوية.
الإيمان أو العقيدة هي أصل دين الإسلام. باختصار تتلخص مسألة الإيمان هذه في أركان الإيمان الستة. في هذه الحالة تقوم الجمعية المحمدية بالدعوة إلى التمسك بالمعتقدات الإسلامية النقية الخالية من مظاهر الشرك والبدع والخرافات دون إغفال مبدأ التسامح وفقًا للتعاليم الإسلامية.
أما الأخلاق فهي صفات راسخة في نفس الإنسان تنبع منها الأفعال الكريمة بسهولة ويسردون حاجة إلى تفكير أو تأمل. في هذه الحالة تعمل الجمعية المحمدية على إعلاء القيم الأخلاقية النبيلة مسترشدةً بتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي دون الاعتماد على قيم الخلق البشري.
فالعبادة هي التقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. وفي هذا الصدد تنقسم العبادة إلى قسمين : عبادة عامة وعبادة خاصة.
العبادة العامة هي كل ما أرشده الله وأما العبادة الخاصة فهي ما فصَّل الله تعالى في شأنه من حيث الكيفية.
ويرى مجلس الإفتاء والتجديد للجمعية المحمدية أن الابتداع يكون في مجالين : العقيدة والعبادة. لذلك أن يكون كل ما يتعلق بهما مبنيين على الأدلة الصحيحة أي بالاستناد على الأدلة من القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
حيث قال تعالى “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” [آل عمران، 3: 31].
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ [رواه البخاري].
وفي مسألة العبادة الخاصة قاعدة فقهية تقول “الأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ التَّحْرِيمُ”.
يري أنّ لا بدعة في المعاملات الاجتماعية. فالمعاملة بحد ذاتها تشمل كل ما يتعلق بأمور الدنيا. والاحتفال بيوم الاستقلال من أمور المعاملات الاجتماعية وهو جائز. بالشروط ألا يخالف الاحتفال الأحكام الشرعية والأعراف الاجتماعية. وكما روى النبي صلى الله عليه وسلم :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ. قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ [رواه أبو داود].
يدلّ هذا الحديث أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتفال بالأعياد في أيام معينة ينطبق على ما يتعلق بالعبادات أو يُعتقد أنها كذلك. أما إذا لم يكن عبادة فهو معاملة وبالتالي فالأصل جوازه ما لم يتعارض مع التعاليم الدينية.
تنص قاعدة أصول الفقه على “الأَصْلُ فِى المُعَامَلةِ الإبَاحَةُ فَلاَ يُحْظَرُ مِنهَا إِلاَّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ”.
و “اْلأَصْلُ فِي اْلأَشْيَاءِ اْلإِبَاحَةُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اْلإِبَاحَةِ” و “الأمُوْرُ بمَقاصِدِهَا”.
في هذا السياق تُباح المراسم التي تُقام تخليدًا لنضال الأبطال لرفع العلم الوطني رمزًا للاستقلال. لذلك نرى أن تحية العلم خلال هذه المراسم ليست عبادةً بل هي ببساطة احترامٌ لخدمات الأبطال الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل استقلال إندونيسيا.
بناءً على ذلك نعتقد أن تحية العلم ليست محرمةً دينيًا. ومع ذلك تشمل الاعتبارات المتعلقة بمراسم العلم في ذكرى الاستقلال أو غيرها من الاحتفالات. منها ملابس المسؤولين في المراسم أي فريق رفع العلم. على أعضاء فريق رفع العلم ارتداء الملابس اللائقة الساترة لعورتهم.
وتُطبق ممارسات أخرى مباحة أيضًا على التقاليد والعادات التي تُمارس داخل المجتمع قبل يوم الاستقلال الإندونيسي. كاحتفالات تخليدًا لذكرى الأبطال الذين ضحوا بحياتهم دفاعًا عن الوطن. خاصةً إذا كانت المناسبة حافلةً بأنشطة إيجابية ومفيدة كالمحاضرات الوطنية وغرس قيم الوطنية والقومية في نفوس الشباب.
أما إذا كانت مناسبة الاستقلال حافلةً بفعالياتٍ لا تنسجم مع الشريعة الإسلامية والأعراف الاجتماعية أو تخالفها فقد يُصنف الاحتفال على أنه إسرافٌ و هذا حرام. وفي هذه الحالة حذّر النبي ﷺ قومه من الأعمال غير المفيدة.
حيث قال تعالى” وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ” [المؤمنون، 23: 3].
وقال أيضاً “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” [الأعراف، 7: 31].
قال تعالى ” إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا” [الإسرآء، 17: 27].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ [رواه ابن حبان].
هنا يأتي دور الدعاة كقادة الأمة إذ عليهم توعية الأمة بضرورة أن تكون احتفالات يوم الاستقلال الإندونيسي حافلة بالفعاليات الإيجابية والتربوية بما يعزز التزام المجتمع المحلي. وعلى قادة المجتمع الآخرين الاهتمام باختيار المسابقات التي تُقام للاحتفال بيوم الاستقلال وأن تكون خالية من الأنشطة المحرمة دينيًا كالقمار والمراهنة.
يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [المآئدة، 5: 90].
ينبغي أن تكون المسابقات التي تُقام مسابقات تُنشئ جيلًا شابًا ذا شخصية قوية لا مسابقات ترفيهية غير تربوية بعيدة عن القيم النبيلة للأمة والدين. والله أعلم.
المصدر: مجلة “سوارا محمدية” رقم ١٦عام ٢٠١٨.
Discussion about this post